بحث جديد حول موقع قوم لوط


بسم الله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبة وسلم .

وبعد ..

كثيرا ما كنت أفكر في موقع قوم لوط وهل هو حقا البحر الميت ؟ وخصوصا أن هذا الموقع ذكره بعض أهل التفسير وأهل العلم ، ولكن هل يعقل أن البحر الميت بطول 70 كيلومتر وعرض 17 متر هو موقع قوم لوط ! وهي مدينة واحدة  كما جاء في القران الكريم في سورة العنكبوت في قوله تعالى : ( وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) وكذلك في سورة الحجر في قوله تعالى ( وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ ) .

استبعدت جدا أن يكون البحر الميت هو قرية قوم لوط بسبب المساحة ولأسباب أخرى سأوضحها لاحقا ، وقد وجدت موقعا كثيرا ما كنت امر بجاوره في أسفاري وكنت أتوقف عنده وأتدبر ابداع الخالق سبحانه فيه ، وكان يدور في خلدي أن هذا المكان هو موقع قوم لوط لتطابق بعض ما جاء في القران الكريم مع الواقع المعاصر له ، وقد ترددت كثيرا في نشر هذا البحث المختصر ، وخصوصا بأني سآتي بشئ لم يسبق بقوله أحد من أهل العلم ، وخشيت أن أضلل الناس بأمر قد لا يكون حقا ، وفي نفسي الوقت خشيت أن أكتم أمرا قد يكون هو الحق ، لذا فإنني عندما أكتب هذا البحث فإنني لا أجزم بما جاء فيه ، فلا يعلم الغيب إلا الله وحده سبحانه .

هذا المكان الذي أتوقع أنه هو مكان قرية قوم لوط هو مكان مشهور في جزيرة العرب وله في قصائد العرب السابقين والمعاصرين أبيات وقصص ، وهو رمز لا يمكنك نسيانه عندما تشاهده على الواقع ولا يمكن لبشر أو آلات أن تزحزحه عن مكانه :


إنه الجبل المعروف بإسم جبل (طميه ) ، هذا الجبل لا تكاد ترسم الصور هيبته ومكانته ، ولابد أن تقف بجاوره حتى ترى عظمة الخالق فيه ، بالطبع ليس بأكبر جبال العالم ، ولكنه في الجزيرة العربية وبموقعه هذا أعجوبة ويعد من الغرائب والنوادر في مناطق نجد والقصيم والحجاز ، وهو ذو شكل غريب ومميز .

وهذا الجبل المشهور يقع في أقصى الغرب لمنطقة القصيم ، ونقل الأصبهاني قول بعضهم : "طميه عَلَمٌ أحمر صعب منيع ، لا يرتقى إلا من موضع واحد ، وهو رأس حزيز أسود يقال له العرقوة وهو أذكر جبل بالبادية ، وهو يُتحصَّنَ به، وهو في بلاد مرة بن عوف" و علق العبودي في قوله : "أذكر جبل بالبادية" يريد أشيع جبال البادية ذكراً وتلك مكانة لا تزال باقية له في حواضر نجد فلا يكاد يوجد أحد لم يسمع بطميه بخلاف غيره من الجبال .

ويبلغ ارتفاع الجبل عن قاعدته (950) متر وارتفاعه عن سطح البحر (1364) متر ، وليس للجبل قمه كبقية الجبال وإنما أعلاه مسطح مستوي وتبلغ مساحته تقريبا (1.5) كيلومتر مربع ، وهي تعادل مساحة عدد 139 ملعب كرة قدم ( المصدر )

صورة من جوجل لجبل طمية :


هذا الجبل المبهر نسجت حوله قصص من الخيال فهناك أسطورة تقول أن جبل طمية (الانثى) لم يكن هذا مكانها الأصلي ، وإنما قلعت من حرة كشب ، فخلفت الحفرة (فوهة الوعبة المعروفة بمقلع طمية) وسبب تركها مكانها الأصلي أنها أحبت جبلا آخر وهو جبل قطن بكسر القاف وسكون الطاء، ويميل لونه للبياض ، ويقع شمال غرب منطقة القصيم أيضا ، واتجهت إليه عشقا وحبا فيه ، ويقال أنها خلفت وراءها قطعا تساقطت أثناء سيرها باتجاه قطن ، حتى وصلت مكانها الحالي في غرب منطقة القصيم وأثناء طريقها إلى محبوبها قطن تعرض لها جبل يسمى عكاش وكسر ساقها وتوقفت الرحلة دون الوصول لقطن وأخيراً تزوجت بعكاش في نهاية المطاف .

وهذا الجبل في هذا المكان محل استغراب العرب الذين نسجوا عليها الأساطير وكذلك استغراب أهل الجيولوجيا بموقعه المنفرد وسطحه المستوي حيث أنهم لا يعتبرونه جبلا فليس له شكل الجبال وإنما يتوقعونه بركانا ناشئ سينفجر في يوم ما ..

واقول أن العرب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تعرف موقع قوم لوط ، والدليل قوله تعالى في سورة الصافات ( وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) ، أي إنكم يا كفار قريش تمرون على القرية التي دمرناها عند اصباحكم نهارا وبالليل أفلا تعقلون ، وبمعنى آخر أن قريش كانت في أسفارها تمر بجانب المكان الذي اقتلعه الله سبحانه وقلبه راسا على عقب وهم يعرفون أن هذا المكان هو موقع قوم لوط ويعلمون قصتهم ولكن لا يتدبرون ، ومن هذه الآيات أيضا نستفيد أن ذلك المكان كانت تمر عليه قريش في أسفارها وكان مشاهدا ليلا ونهارا ، فهو ليس بالمكان الخفي أو الذي تمر بجانبه ليلا ولا تراه من الظلام وإنما هو مشاهد متى ما مررت بجواره ليلا كان أو نهارا ، وهذا الجبل بسبب ارتفاعه وضخامته وموقعه المنفرد تراه نهارا في الجو الصافي بمسافة خمسون كيلومتر ، وأما ليلا فهو مشاهد من مسافة تزيد عن العشرة كيلومترات في الليالي المقمرة .

وقد يقول قائل بأن تجارة قريش كانت للشام والطريق لا يمر بهذا الجبل والجواب : أن قريش لم تقتصر تجارتها على الشام وإنما كانت لها تجارة مع اليمن والحبشة وبلاد فارس والعراق ، وكان نوفل بن عبد مناف هو من أخذ العهد مع كسرى في تجارة قريش الى بلاد فارس ، ويقال أن نوفل مات في طريق العراق أثناء رحلته مع إحدى قوافله التجارية لبلاد فارس  ، وطريق العراق من مكة هو ما كان يسمى بدرب الحيرة والذي عرف لاحقا في عهد الإسلام بطريق الحاج أو درب زبيدة وله أفرع وجميع تلك الطرق القادمة من العراق إن سرت عليها تمر بالقرب من ذلك الجبل طميه وتشاهده علما واضحا ومشهورا لا يخفى على صغير أو كبير ممن رآه ، وقد جاء ذكر ذلك في بعض كتب التاريخ ، والله وحده أعلم هل كانت قريش تمر بجانب هذا الجبل في أسفراها أم تراه من بعيد ولكن الشاهد أنه كان معروفا لهم وذكروه في أشعارهم .

أعود فأقول إذا كان هذا الجبل هو موقع قرية لوط وكانت قريش والعرب يعرفون ذلك فلما لم يبقى ذكر ذلك حتى اليوم ؟ هل الأسطورة المشهورة والمعروفة لدى معظم عرب الجزيرة العربية اليوم عن هذا الجبل بأنه جاء من مكان بعيد والتي ذكرناها سابقا هي من حبك وحيل ابليس ليخفي ويطمس على قلوب الناس معلما هاما وآية من آيات الله قد عذب بها قوما ظالمين؟


ولكن هل يعقل أن هذا الجبل كان في السابق قرية على أرض مستوية ؟ كيف أصبح مكان القرية بهذا الشكل ؟ الجواب :

يقول الله تعالى في سورة هود ( قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ) .

وفي الآيات وصف للعذاب الذي أهلك الله به قوم لوط ، حيث قلب الله أرضهم فجعل عاليها هو الأسفل وأمطر عليهم الحجارة ، ويذكر أهل التفسير أن جبريل عليه السلام إقتلع أرض قوم لوط بجناحه ثم صعد بهم إلى السماء ثم قلبها فارسلها إلى مكانها ثم أتبعها حجارة من سجيل ، وقالوا في الحجارة من سجيل أنها حجارة من طين وقالوا أنها مشوية وقال بعضهم حجارة مطبوخة قوية صلبه ، وقالوا أن تلك الحجارة كانت مسومة أي معلمة مختومة عليها أسماء أصحابها ، كل حجر مكتوب عليه اسم الذي ينزل عليه .

ويبدوا والله أعلم من سياق الآيات السابقة أن جبريل عليه السلام اقتلع أرض قوم لوط بجناحه ثم صعد بهم إلى السماء وهذا بحد ذاته عذاب لهم ثم قلب أرضهم وهي في السماء فتساقطوا منها وهي معلقة في السماء ثم أمطروا بالحجارة المسومة وهي من قتلتهم أثناء تساقطهم أو في مكان قريتهم المخلوعه ثم ردمتهم تلك الحجارة في مكانهم ثم أرسل جبريل أرضهم التي بجناحه إلى مكانها على الأرض وهي مقلوبه من فوقهم فكان هذا الشكل البارز عن الأرض والله أعلم .

ويبدوا والله أعلم أن الحجارة التي أمطارها الله عليهم كانت أشد عذابا من اقتلاع أرضهم ، يقول الله تعالى في سورة الشعراء ( قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَالُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ) ، إذا لقد أنزل عليهم الله سبحانه حجارة كالمطر ، ولك أن تتخيل السماء بدل أن تمطر ماء أمطرت حجارة كيف ستكون قوة الحجارة وهي هاوية وكم هي أعدادها وكثرتها ؟ 

والعجيب أن هذا الجبل (طمية) قد امتلأت سفوحه وجوانبه بالحجارة التي أشبه ما تكون بالحجارة الطينية وحتى من اعلاه ، وعندما تقترب منه لا تكاد تصدق كمية الأحجار المتناثرة حوله ومن فوقه منها الصغير والكبير وكأنها أمطرت على هذا الجبل ، والغريب كذلك أن الحجارة هذه كانها مشوية ، فهي محترقة من الخارج ومن الداخل اشبه بلون الطين ، وإذا حاولت الوصول إلى الجبل بسيارتك فإنك لن تستطيع الاقتراب منه بسبب كثرة وكثافة تلك الحجارة ولا يوجد إلا طريق واحد فقط من الجهة الجنوبية ويستخدمه الناس اليوم  للوصول للجبل ، لاحظ معي بعض الصورلتلك الحجارة :













والآن شاهد معي بعض الصور التي توضح الإحتراق الخارجي لتلك الحجارة بينما داخلها لم يحترق ، وهو مشابه لبعض ما جاء به أهل التفسير بأنها حجارة مشويه :






شاهد معي الآن هذا اليوتيوب لمجموعة من الشباب قاموا بالصعود لقمة الجبل ولاحظ كمية الحجارة الشبه طينية من حول الجبل ومن فوقه :



فإن كان هذا الجبل (طمية ) هو موقع قوم لوط ، فقد يكون بشكله البارز والغريب والمميز هو ( الآية البينة ) في تحديد موقع قوم لوط والتي ذكرها الله في سورة العنكبوت بقوله تعالى ( وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ، بمعنى أنه بعد أن حل عذاب الله في تلك القرية فاقتلعها من الأرض وقلبها وأمطر عليها حجارة من سجيل بعد ذلك العذاب ترك الله منها آية واضحة لمن يعقل ويخاف عذاب الله ، ودليلا لقرية عذب الله اهلها واهلكهم .

وقد سمعت من أحد طلبة العلم قوله : أن اقتلاع الله لأرض قوم لوط وجعل عاليها سافلها بما لم يصنع الله مع غيرهم لهو تطهير لتلك الأرض من رجسهم وعظيم صنيعهم ، نعوذ بالله مما صنعوا .

ويقول الله تعالى في سورة الحجر ( فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ ) اي أن موقع قوم لوط بعد العذاب سيكون بطريق واضح مقيم يراها المجتاز بها لا خفاء بها ، ولا يبرح مكانها ، فيجهل ذو لبّ أمرها ، وهذا الجبل طمية هو منذ القدم في طريق الناس وحتى حاضرنا اليوم ، بل إنه الآن يقع بين طريقين يسلكهما الناس في أسفارهم ، الطريق الأول هو طريق القصيم المدينة القديم ، والطريق الثاني هو الطريق السريع بين القصيم والمدينة والذي يمر من جانب طميه وكأن هذا الأمر تحقيقا والله لقوله تعالى (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) :



فهل من معتبر

وهناك أمر آخر تجدر الإشارة إليه وهو قوله تعالى في سورة الحجر ( قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ ) وهنا ذكر الله أصحاب الأيكة وأن الله انتقم منهم ، وأن مدينة اصحاب الأيكة ومدينة قوم لوط لبإمام مبين أي بطريق يأتم الناس به في سفرهم ويهتدون به (مُبِينٍ) بمعنى آخر أن هذين المدينتين اللاتي عذب الله أهلها واضحتان للناس وليست بمخفيه وأن الناس يستدلون بهما في الأسفار فلا يضلون الطريق وكأن معنى الآية يشير إلى أن المدينتين قريبتين من بعضهما ويتخذهما الناس معلما بارزا في طرق أسفارهم ، فإن قلنا أن مدينة قوم لوط هي جبل طمية الآن وهو جبل واضح ومرتفع ومشاهد للمسافرين ليلا ونهارا فأين موقع مدينة أصحاب الأيكة إن كانت قريبة منها ؟ 

ولتحديد مدينة أصحاب الأيكة يجب أن نعرف معنى ( الأيكة ) التي وصفهم الله بها ، وقد ذكر أهل التفسير أن معنى الأيكة هو الشجر الملتف المجتمع ، ولو بحثنا بالقرب من جبل طمية لما وجدنا أي اشجار مجتمعه ولها ظل وافر ، عدا موقع واحد فقط ، وهو في الحقيقة موقع خلاب ووفير بالمياة ومشهور عند العرب منذ القدم وقد تغنوا به في أشعارهم كما تغنوا في جبل طميه ، وهو موقع واضح وبارز ويعتبر معلما يهتدي الناس به للطريق بين العراق والمدينة ومكة ، وهذا الموقع هو مجموعه من الجبال غاية في الجمال والإبداع تسمى ( قطن ) وهي جبال مجتمعة حول بعضها على شكل حلقة دائرية وهي تبعد عن جبل طمية مسافة (45) كم :




وهذه الجبال إن دخلتها ستجدها كالمتاهات ومليئة بأشجار الطلح ذي الظل الوافر ، ويقصدها المتنزهون من العامة والخاصة ، وهي بحق جميله وعجيبة ، فهي جبال مميزة بشكلها الناعم الأبيض ، فهل كانت هي موقع أصحاب الأيكة ؟





















وليعلم القارئ أن اشجار تلك الجبال لم تسلم من القطع والاحتطاب الجائر في زمننا هذا وفي الأزمان السابقة ، وتسعى الدولة لإرشاد الناس بلافتات عند الجبل تحذر من قطع الأشجار ، ويبدوا والله أعلم أن تسمية أولئك القوم بأصحاب الأيكة لهو دلالة على أنهم كانوا يعيشون في غابة غناء زاهية وليست كمثل ماهي عليه اليوم .

هذا ما في جعبتي ولا أجزم بشئ مما ذكرت فلا يعلم خبر الأولين والآخرين إلا الله وحده سبحانه ، ولكني أدعو كل من قرأ هذا البحث المختصر وكان قريبا من تلك الأماكن أو كان مسافرا وسيمر بجوارها أن يتوقف عند جبل طمية ولو لنصف ساعة لينظر ويدقق في وصف الحجارة التي أمطرت على أولئك القوم وكيف امتلأ ذلك الجبل منها ، إنها والله لعبره لمن كان له قلب .

بقي أمر أخير ينبغي التنبيه عليه وهو أن البعض قد يقول أن أصحاب الأيكة هم نفسهم قوم مدين ، حيث أن شعيب جاء ذكره في القرآن مرسلا لأصحاب الأيكة ومدين ، ولكن عندما تتبصر تجد أن هناك خلاف في أقوال أهل التفسير وكثير منهم قال أن شعيب عليه السلام قد أرسل إلى أمتين : إلى أصحاب الأيكة وإلى مدين ، ففي قوله تعالى في سورة الشعراء ( كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ ) وهنا يتبن أن أصحاب الأيكة قد أرسل لهم عدد من الرسل وكان آخرهم شعيبا حيث أنزل الله عليهم العذاب من بعده ، وأما الايات التي جاءت في ذكر شعيب مع مدين فكانت تشير إلى أنه أرسل إلى قومه ، كقوله تعالى (  وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ) وقد جاء هذا النص في ثلاثة مواضع في القران الكريم ، بينما في قصة أصحاب الأيكة لم يذكر أنه أخا لهم .

هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

هناك 4 تعليقات:

  1. إضافة :

    قمت بمراسلة هيئة المساحة والجيولوجيا السعودية عبر حسابها في تويتر فجائني ردهم بلسان المهندس / عبدالله ميميش كالتالي :


    من الناحية العلمية و الجيولوجية يقع جبل طميه في مربع النقرة خريطة جيولوجية رقم 28 .

    جيولوجية المملكة تنقسم بشكل عام إلي قسمين صخور قاعدية وبركانية وتعرف بسم الدرع العربي وهي صخور صلبة وغير متطبقه الجزء الأخر وهي صخور رسوبية بحرية أو نهرية وتأتي علي شكل طبقات وتحتوي علي حفريات بحرية و تترسب علي الحواف الشرقية للدرع العربي.

    جبل طميه عبارة عن صخور من الحجر الرملي والتي يقدر عمرها بحوالي 500 مليون سنه و تتبع متكون الساق و الذي ينكشف في منطقة بريده ويصل سمكة إلي حوالي 600م و هي عبارة عن رواسب نهرية تترسب علي شكل طبقات شبه أفقية و متكون الساق يعتبر بداية ظهور الصخور الرسوبية و هو يترسب بشكل غير توافقي فوق صخور الدرع العربي ويمكن التمييز بينهم بنوعية الصخور و التطبق .

    الجزء السفلي من جبل طميه عبارة عن صخور بركانيه و تتبع الدرع العربي و تسما مجموعة مردمه و الجزء العلوي عبارة عن صخور الحجر الرملي التابع للصخور الرسوبية و الذي يتراوح سمك الصخور الرسوبية فيه من 130-150م.

    و بنسبه لموقع جبل طميه فهناك ستة مواقع أخري إلي الغرب و الجنوب الغربي من الجبل وهي اصغر حجما و اقل ارتفاعا من جبل طميه.

    متكون الساق من الناحية الجيولوجية يمتد من بريده شمالا حتى جنوب الأردن وفي منطقة تبوك و منطقة العلا تجد الكثير من الإشكال المشابه لجبل طميه حيث تترسب طبقات الحجر الرملي بشكل أفقي فوق صخور الدرع العربي لتعطي شكل مساطب تمتد إلي عشرات الكيلومترات و نتيجة لان هذه الصخور احدث عمرا من صخور الدرع العربي لذلك فهي تترسب فوق قمم هذه الجبال و نتيجة لعوامل التعرية و التجوية فهي تتخذ أشكال مختلفة و بعضها يكون مقاوم أكثر من الأخر فما نره اليوم يمثل مابقي من هذه الصخور التي تعرضت إلي الكثير من عوامل التعرية.

    وقد ذكرت إلي أن بعض هذه الصخور تأخذ ألون الأسود وهذا عبارة عن عمليات تجوية كيميائية طويلة مع وجود السليكا و الحديد الموكون لصخر الأساسي مما يدي إلي تحولها إلي اللون لاسود علي السطح بينما يبقى الصخر من الداخل محتفظ بلونه الأصلي و ما تراه من صخور متناثرة علي جوانب الجبل هو نتيجة لعملية تعرية تؤدي إلي تكسر هذه الصخور علي مر السنين و يتم نقلها بواسطة الجاذبية و الإمطار و تتدحرج علي جوانب الجبل مما يعطيها أشكال شبه دائرية نتيجة لنقلها لمسافات طويلة و أكثر من مرة .
    كل هذه الظواهر يمكن أن تلاحظها علي طول امتداد منكشفات متكون الساق و خصوصا القريبة أو المترسبة فوق صخور الدرع العربي.

    لذلك فان شكل جبل طميه هي ظاهرة طبيعية نتيجة عملية الترسيب و الحركات الأرضية من صدوع وغيره أدت إلى ظهور الجبل بهذا الشكل, و قد تمت دراستها من قبل الجيولوجيين بشكل مفصل ويمكن الرجوع إلي الخريطة الجيولوجية (خ ج-28 )

    انتهى تعليق المهندس .

    وأقول : أن هذا الرد هو رد علمي جيولوجي بحت مبني على مراجع ومصادر جيولوجيا الجزيرة العربية ، ولم تكن هناك أي معاينة للموقع على أساس احتمالية أنه موقع قوم لوط ، وأظن أنه لم يكن هناك تصديق لحقيقة البحث ، وكنت أتوقع مثل ذلك التعليل العلمي منهم ، وأظن بأن جميع من هم على مراتب السلم المهني الجيولوجي سيكون ردهم وتعليلهم مشابها لتعليق المهندس / عبدالله مشيمش ، فإنك لن تجد أي جيلوجي سيقف معك في أي بحث تكون فيه أمورا خارقة وفوق حدود العقل البشري ، ولعلنا سنتيقن من عدم اقتناع الناس بهذا الأمر من قوله تعالى : ( فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) فوحدهم فقط المتوسمين هم من سيدركون حقيقة الأمر بما ذكر الله من دلائل وإشارات في كتابه الكريم .

    وفقني الله وإياكم .

    ردحذف
    الردود
    1. جزيت خيرا أخي على تفكّرك
      أنت طرحت طرحا، ولمّا كان الأمر يحتاج إلى تبيّن فنرجو ممّن توفرت فيهم صفات الباحث العلمي النزيه أن يعطو الأمر حقه من التحري لاستجلاء آيات الخالق جل جلاله، وإنها لتساعد على التذكر والتدبر والعبرة والعظة، ولا نترك الأمر كله للبعثات العلمية الغربية لتفسر الأمور وفق معتقدات على أساس ما يظنون أنه أخبار كتب مقدسة.

      حذف
  2. اذا صح هذا القول فإن موقع قوم لوط هو مقلع طميه في حفر كشب وليس جبل طميه في القصيم . نشأتهم وفجورهم وطغيانهم قبل الهلاك كان في حفر كشب ( مقلع طميه ) ثم اتى العذاب واقلتعت ارضهم وامطروا بحجاره من السماء وسقطت بقعة تلك الارض في غرب منطقة القصيم وهو مايسمى اليوم بجبل طميه . لكن المقلع هو موطنهم الرئيسي وديارهم وهو اقرب لقريش الذين كانوا يمرون على المقلع بقوافلهم ورحالهم بشكل مستمر

    ردحذف
  3. رائع جدا ما شاء الله تبارك الله .. عبقري في طرحك ..
    الحدس هو بداية اكتشاف الحقيقة.. تسلسل منطقي.. أجد في هذا البحث منطقا علميا.. فهل ينظر المختصون إلى هذا على أنه فرضية علمية .. أظن أن القوم جهلة .. كثير ممن يتقلدون المناصب هم من عباد المناصب وليسوا عشاق معرفة.

    ردحذف